ما هو حال إســقــلال الــقـضــاء
صفحة 1 من اصل 1
ما هو حال إســقــلال الــقـضــاء
م</SPAN> نذ غلبة العقل على الغريزة مع تطور الحضارة البشرية وتحولها من شريعة القوة، أي شريعة الغاب، الى شريعة الحق، نشأت الحاجة الى القضاء. </SPAN>
فعندما يكون الحق للقوة، يتكفل القوي من نفسه وبذاته بأن يمنع اعتداء من هو اضعف منه عليه ، او بأن يأخذ منه حقه </SPAN>
على ان القوة ليست مضمونة التغلب والسيطرة لصاحبها على الدوام، بل غالبا ما يقع كل قوي على من هو اقوى منه، فيصبح هو المعتدى عليه ويصبح الضحية </SPAN>
لهذا كان لا بد للفرد ان يدرك شيئا فشيئا بان قوة الجماعة، اي مجموع القوى هي الاقوى حتما ودائما، وأن من مصلحته الفردية ان يخضع لقوة واوامر الجماعة بمقابل ان تتولى الجماعة حمايته من كل اعتداء على شخصه او تجاوز على حقوقه، بمعنى ان مصلحته الفردية ترتبط بالمصلحة العامة للجماعة التي يعيش ضمنها، وان هذه المصلحة الجماعية العامة تقتضي من الافراد ان يعيشوا وان يتعايشوا فيما بينهم، وان يتعاملوا في علاقاتهم على اساس ما تعارفوا وتواضعوا عليه بأنه الحق، وهو مجموع ما رسخ في النفوس من كل مل تلاقوا وتعاقبوا عليه جيلا بعد جبل من التجارب الدنيوية والمعتقدات الدينية والمفاهيم الاخلاقية والعادات والتقاليد. </SPAN>
ومتى اصبح الحكم للحق، فان المحتكم آلي الحق لم يعد يستطيع ان يحصل بنفسه ومن ذاته على الحق الذي يدعيه، والا فإنها الردة الى تحكيم القوة. فلا بد عند التنازع على الحق من طرف آخر يفصل فيه بين الطرفين. هذا الطرف هو الحكم او القاضي. من هنا يصح القول، أن القضاء (بمفهومه البدائي قبل التنظيم) قديم قدم الحق، نشأ مع نشوء فكرة الحق تلبية لحاجة تحقيقه واقراره، ومن ثم فانه لا يزال حاجة تنمو وتتطور الى الافضل والاكمل والارقى لدى كل شعب وكل دولة، لا محيد ولا غنى عنه لأي مجتمع إنساني تحت خطر انقراض هذا المجتمع من فعل تحوله الى الظلم والفوضى مما لا طاقة للانسان المتحضر ان يعيش معهما. </SPAN>
هذه الحاجة التي استدعت وجود القضاء، وتلك الغاية التي وجد من اجل تحقيقها وهي احقاق الحق واقامة العدل، انما هي تشترط، أول ما تشترط، او انها تفترض من ذاتها، حياد الحكم الذي هو القاضي. فبدون هذا الحياد، اي عندما ينحاز القاضي الى هذا او ذاك من طرفي النزاع لكأن هذا الاخير هو الذي يحكم لنفسه بنفسه تحت ظل القاضي وعن طريقه وباسمه، فنكون امام ردة جديدة الى تحكيم القوة، كيفما اختلفت وسائلها، تحت اسم وظاهر الحق. </SPAN>
ان الحياد في القضاء هو شرط وجود ان لم نقل انه عنصر اصل في نشوئه وتكوينه. </SPAN>
والحياد يتطلب ان يتوافر لدى الشخص الذي يتولى منصب القضاء مناعة خلقية تبتعد به عن الميل والهوى، وتصونه من الانحراف والزلل. ولكن المناعة الخلقية الشخصية لا تكفي لوحدها لان تضمن الحياد والتجرد في جميع الظروف والاحوال. فقد يكون القاضي شريفاً ونزيها يصمد حيال مختلف اشكال وانواع الاغراءات من مال او جنس او غيرهما، وما اكثرها واخطرها، او قد يكون شجاعا متين القلب لا يأبه بتهدبد من شخص او عيد من جماعة، ولكنه مع هذا وذاك ، او بالرغم من هذا وذاك، فان هناك من وسائل الضغط والتأثير على القاضي او من التدخل في شؤون القضاء عموما، ما لا سبيل الى مواجهته او مجابهته، نقصد بوجه خاص التوجيه او الضغط او التدخل في شؤون القضاء من جانب اي سلطة من الاسلطات الاخرى في الدولة. </SPAN>
فلكي يتحقق الحياد في القضاء يجب ان تتوفر له الاستقلالية التامة الكاملة، أي ان يكون في مأمن من كل تدخل خارجي، وبوجه خاص من كل تدخل من اي سلطة اخرى في الدولة. </SPAN>
ان استقلال القضاء شرط لتحقيق الحياد، والحياد شرط لاحقاق الحق وإقامة العدل. انهما شرطان مترابطان متلازمان يتحصل منهما أن لا عدل بدون حياد ولا حياد بدون استقلال. </SPAN>
وهذا ما يخلص بنا الى تقرير القول: </SPAN>
ان القضاء اما ان يكون مستقلا او ان لا يكون، لانه يصبح عندها خدعة شائنة، ظاهرها الحق والعدل وباطنها او حقيقتها الباطل والجور والظلم </SPAN>
فإن الاستقلال يعني الحرية، او ان الاستقلال لا يكون الا مع الحرية. </SPAN>
لكن الحرية لا تعني التحرر المطلق بمعنى التحلل. </SPAN>
ان الحرية التي يقوم عليها استقلال القضاء هي حرية ملزمة ومسؤولة: </SPAN>
التزامها القانون ومسؤليتها القضاء بوحي من الضمير. فاستقلال القضاء لم يشرع لينعم به القضاة، بل لينعم به المتقاضون. </SPAN>
لم يكن في الماضي دساتير تعترف بمبدأ استقلال القضاء، ولا كانت قوانين تعمل على حمايته وصونه، ومع هذا لم يكن الالتزام بمبدأ استقلال القضاء غائبا كليا عن واقع الممارسة القضائية. </SPAN>
واصبحنا في عالم الاعلانات والدساتير والنصوص، ومع هذا لا يسلم القضاء دائما من التجاوز على حرمة استقلاله، ولا يسلم القضاة من الضغط ومحاولة التأثير عليهم من هنا وهناك، ومنهم من يسقطون، ومنهم من لا يسلم من ذات هوى وشره نفسه فالعبرة من حيث النتيجة للنفوس لا للنصوص نقصد بذلك ايمان صاحب السلطة باستقلال القضاء مما يردعه عن التدخل في شؤونه، وايمان القاضي باستقلال وظيفته وخطر مسؤوليته مما يقويه على الصمود بوجه كل تدخل او تجاوز قد يتعرض له من اي سلطة او من شخص او من جهة. </SPAN>
ان استقلال القضاء قد اصبح مبدأ مستقرا راسخا في ضمير العالم ووجدانه، فمهما استبيحت حرمة هذا المبدأ كما يحصل كثيرا او قليلا على دنيا الواقع، فإن الحاضر هو على كل حال خير من الأمس والماضي ولا بد عاجلا او آجلا ان ياتي يوم يتحقق للقضاء استقلاله الكامل، قولا وفعلا واعلانا وتطبيقا. </SPAN>
ان سير الانسان على طريق التطور الحضاري مستمر ومتواصل، واستقلال القاضي عنوان للمفهوم الحضاري للجماعة الانسانية، ويقول (كوندورسيه) </SPAN>(condorcet):</SPAN> </SPAN>
ان قابلية الانسان للكمال هي في الواقع غير محدودة، وان هذه القابلية التي اصبحت مستقلة عن كل فكرة تريد ايقافها لا نهاية لها غير بقاء هذه الارض التي القضاء فيها الطبيعة".</SPAN>
abdou- .·•عضـــو مبــــدع•·.
-
عدد الرسائل : 129
تاريخ التسجيل : 22/07/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى